إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

رباعية النزول والصعود

رباعية النزول والصعود
أحمد حسين -مصمص-



رَيّانَ من ماءِ الصّدى أتذكر ُ شبحا إذا شاهدتُه يتبعثرُ
هل كانَ أم أن السرابَ أقامهُ حينا ًوأوْلع بالسراب المُبصرُ
والرمل دارُ العقم يقتلها الأسى فتبثهُ مُدُناً تغيبُ وتحضرُ
يلوي أصابعه النسيمُ ببابها فكأنه مما يرى يتحسّرُ
يا بيت ميَّة َهل أتتك رسائلي إن كانَ فاقرأها لعلك تذكرُ
أين الطريق إلى طريقك دُلني إن الطلول مقابرٌ ومنابرُ
لما وقفنا في الوداع هجوتَني وزعمتَ أنيَ غادرٌ ومغادرُ
أنت الذي غادرتني وغدرتني ألبابُ يشهدُ والنوافذ تخبرُ
عشنا على بلد يراود يومَه عن أمسه ويغيب فيه الحاضرُ
والعمر أيام تسافر وحدها حتى يُريها القلبُ أين تسافرُ
وقفوا ببابك غائبين يقولهم وهمٌ ويرويهم حديثٌ منكَرُ
وبقيتُ خلف سياج صدِّك واقفا حجرا يحاور أعينا لا تبصرُ
حنّت بلادي للضياع كأنها غَرَقٌ وأيامي عليها أبحُرُ
فمتى يقيم القلب فيك صلاته وظباءُ أرضك من سمائك تنفرُ
أمشي لباب ٍ لا إلهَ وراءه والله في ملكوت حزني َ ينظرُ
ألله أسماءٌ ورب ٌ واحد ٌ منا ، له وجهٌ نبيلٌ أسمرُ
ركضَتْ أيائلُ نوره في صُبحها لكنَّ كنعان الصباحُ الأبكرُ
مروا على نوم الرُّعاة كأنما لاحتْ لهم شمسُ السؤال فبكّروا
ماذا يريد اللائذون بلونهم هل ينفع الشقراء قبحٌ أشقرُ
همَجٌ أعَدْنا خلقهم فتعلموا لكنَّ لؤم العقل لا يتغيرُ
عبروا إلينا في مراكبنا كما عبر الفِناءَ السارقُ المتنكّرُ
لم يبق من كنعان إلا روحُها ضوءا إذا كذب المُحدّث يُسفِرُ
كذبت مراياهم على تاريخهم فوجوههم بجمالنا تَتستّرُ
لِصُّ الحضارة لا يفارقُ لؤمُه أخلاقََه فهو السقوط الأكبرُ
مكْرُ الحضارة أنها علويَّة ٌ مثل التميمة كم تُسِرُّ وتُظهِرُ
همجيةٌ تدري وتعرف لعنةٌ: حسناءُ فاجرةٌ وشيخٌ أعورُ
لم يعرفوا معنى السّوِيَّة أنها ما يُبدع الإنسان حين يُخيَّرُ
أنَّ الحياة جمالها وجمالنا نحن النذير بها ونحن المُنذَرُ
لا سرَّ فى الألوان غير ظلالها لكنه الفنان سِرٌّ آخرُ
يا بيت نائلةٍ رأيتُ حقيقتي وترا بقيثار الفجيعة يُوتَرُ
سبيٌ على أطلال وجهك ماثلٌ فكأن ذاك الوجه ليلٌ مُقمرُ
سأظل أمشي في صدودك مقبلا لا أرض غيرك في المكان فأدْبِرُ
يا بيتَ عاكفةٍ أأخبرك المدى أني غيابُك لا يغيبُ فأحضُرُ
أشتاق صدّك والصّدود تواصل ٌ ما دام صدُّك في وصاليَ يسهرُ
من قال انك غير ما باحت به كأسي على شفتيَّ وهي تَكَسَّرُ
وكأنما الأردن قال مهاجرا: مالى وقد ركبوا السراب وهاجروا
شابت غصون الماء فيَّ لِما أرى ناسٌ يقيمون الصلاة ليكفروا
لا باب غير الموت يعرف وجهَهم لو لاح باب غيره لم يعبروا
مروا بباب الشمس لم يعبأ بهم ما كل مولود ببابلَ "نُصََّّرُ"
وكأنما... وكأنما ... وكأنما لا النهرُ قال ولا أجابَ الشاعرُ
لو كانت الأنهار تعرف أهلها كنا ضحايا ما جَنَتْه الأنهُرُ
ما للبعيد فلا زمان وراءنا لنبيت فيه ولا الأماكن تحضرُ
لكنّ أغنية َ الغريب سرابُه لا يبصر الأعمى ولكن ينظرُ
ما زال من حيفا على اشيائنا بعض الدماء فكيف لا نتذكرُ
تمشي لغربتها وأحمل غربتي فيها إذا دَنت الخطى نتغيرُ
هي رحلة غير التي وعَدتْ بها أمّي خطايَ وقال عنها المُخبرُ
عبثٌ وشعبٌ ضيعته هدايةٌ فكأنه مما يدبِّر يَسْكرُ
هذي الطلول تهيأتْ لخرابها واسترسلت في موتها تتبخترُ
مرحى لشمس لا نشاهد ضوءها وسحابةٍ من فوقنا لا تمطرُ
مرحى لسبيٍ نحن فيه غُزاته وعبيده وخيوله والعسكرُ
ولسوف تروينا كوابيسُ الصّدى نمشي ونحفر قبرنا ونفكرُ
غادرتُ وجهي كي أراكِ وحيلتي أنّي أنا طللٌ وأنتِ الشاعرُ
سقط المكان على المكان وأنت في أبد الزمان الثابتُ المتغيرُ
وأنا هنا الحجر الذي أرضعتِهِ ماءَ الحياة وأيّ أمّ ٍ تغدرُ
قولي مشيتُ بهم على أيامهم فتقحموا صدّ المكان ليعبروا
واسترسلوا عشقا فأي مُشمّر ٍ يروي الحقول وسندبادٍ يُبحرُ
كنعان أجمل ما روته منازلٌ عن أهلها أو شاهدته نواظرُ
ساحاتها كانت هياكل ربَّة ٍ حُبلى وأسماءُ النساء شعائرُ
سقط السجود على الجباه فأصبحوا
من طول ما غابوا كأنْ لم يحضروا
قولي هنا مدن تغيبُ جنازة ٌ مرت وأخرى بعد حينٍ تعبرُ
هذي حُلِيّ مليحةٍ كانت هنا يوما وهذا العشب حزنٌ أخضرُ
ما للمكان هنا يحاور دهشة ً مثل اندهاش الطفل إذ يتعثرُ
مدن تهرول في فجيعةِ زيِّها وشوارع من خِزيها تتقهقرُ
والسفح يَرْفلُ في عجائب زينةٍ في سُخفها يتهمَّج المتحضّرُ
قولي ! سيروينا الخفاء لغيرنا إن الخفاء هو الوجود الأكبرُ
من أين يأتي الشجوُ صوتً حمامة ٍ
ويُدير صوتُ النّاي خمرا تُسكِرُ
شَجَنُ الوجود شرود أشباح ٍعلى دمها وروحٌ كالفجيعة تُنشرُ
هل كانت الأحجار وجهَ زمانها لولا وجوه الناس فيما عمَّروا
كنعان عزف الروح ، لا نغماته تخبو، ولا وتر الربابة يظهرُ
أمشي إلى شرفات أسماء ٍعلى سِرّ تكاد به الحكاية تجهرُ
مالت بهم رَحْل المدى فترجلتْ فيهم مصائرُ في الخفاء تُدبّرُ
حملتْ سرايا الفتح راية غيرها واستُعبد العربي وهو يُحَرَّرُ
واليوم تقتلنا الحظوظ كأننا غنمٌ مُقرّبَةٌ تُداسُ وتُنحرُ
يا بيت عزة َ لا زماني حاضرٌ في خطوتيَّ ولا مكاني حاضرُ
هذا وداع مشرد أنّى يرى إن مات في أي البلاد سيُقبرُ
فتلمَّسيني في غيابك غيبة ً كانت بحيفا علَّ حيفا تذكرُ
حيفا يدي مقطوعة ً وطفولتي خلفي بدون يدي وحيفا أكبُرُ
ولدتنيَ الأيام تحت سحابة ٍ لا المشْي يُفلِتني ولا هي تمطرُ
دنيا تصرفها سواعدُ أهلها وأنا بها من كل شيء أصغرُ
لا يعرف العشاق إلا بعض ما أدري وما أخفيتُ عنهم أكثرُ
سبحان وجهٍ كالهديل عرفتُه بيني وبين الكَرمليّة يخطرُ
همسات عطر ٍ في مساء خميلة ٍ يرنو انبهار اللون فيه فيُبهرُ
غنت طيور القلب وانتحبَ الصدى هل جُنَّ فالتبست عليه الأسطرُ
لم أدر أن يد الوداع تشدني وبأن أشرعة الرحيل تٌحضّرُ
وبأن عشق الكرملية ليلة ٌ في ليلها صبح الفجيعة يسهرُ
يا كرملية لا فراق ولا لقاً وهمٌ يغادر في تراب يُنثرُ
يكفي الزيارة أن تكون هنيهة ً في لحظة العمر السريعة تعبرُ
سبحان حزنك والجمال يقوله شعرا تحس به الغصون فتزهرُ
لوز على طلعات نهدك كلما غمزت له عين السماء ينوّرُ
صفصاف مائك في الجداول رقصة علوية فيها الشموس تثرثرُ
هل غادرت عشتار من ملكوتها سرا يبوح به الجمال ويخبرُ
إلا وبحتِ به لبحرك موجة ً تغدو بما حملت وأخرى تنطرُ
يا ليتني أغدو بعطرك في يدي بعض الوجود تخيّلٌ وتصورُ
ماذا يضر النوم لو حلّت به أحلام منتبهِ الجوانح ساهرُ
لم يشعر الهجري أية غفلةٍ أودت به خليه بَعدَكِ يشعرُ
غدرت بكنعان السماء أم انّه خبرٌ رواه العابرون ليعبروا
قال الحكاية أنت حارس وشمها وغيابها عني ووهمٌ زائرُ
قم من عبوري فيك كل سفينة بعد الوصول إلى مداها تُبحرُ
كنا معا في رحلةٍ قدريةٍ انتم بها سحبٌ ونحن الأنهرُ
عشتم بها وحياً ونحن حقيقة ً والوحي يَخفى والحقيقة تُسفرُ
لم تمطروا إلا على عطشٍ لنا أو تعمُروا إلا نعود ونعمُرُ
يا أيها الهجري أنت مطيّتي لغدي ووجهي في غيابيَ يظهرُ
تَمشي على أرضي وتحملُ فوقها كَفَنَ المصير وفي سواها تُقبرُ
وأقول لا أدري ولكن ربما يقع العثارُ ويَسْلَم المُتعثِرُ
لم نأت من عبث الكلام فإننا إنسان هذي الأرض وهي تُصوّرُ
جسد المكان لنا وأحجية الصدى كانت بنا قبل الكلام تُبَرْبِرُ
مدوا أياد بالوداع وأقسموا بالماء والصفصاف ألا يغدروا
فلعلهم إن النزوح مَذلة ٌ من كل موتٍ أو حياة أكبرُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


1.4.2010/visitors

free counters