إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 28 فبراير 2013

في رثاء أبي

 
 
 
في 5/3/2013 تصادف الذكرى 29 لوفاة والدي الحاج ابراهيم محمود ولم اجد افضل من قصيدة شقيقي البروفيسور فاروق لتخليد ذكراه :
في رثاء والدي
-------

اللَّهُ يَرْحَمُ والِدي لِثَباتِهِ

في وَقْفَةٍ للدَّهْرِ في عَدَواتِهِ
 
عاشَ الحياةَ بِطيبَةٍ وبَشاشَةٍ

وبَساطَةٍ راقَتْ لِكُلِّ شُداتِهِ
 
مَرَحٌ تَجَلَّى في ذَكاءِ بَصيرَةِ
 وصفاءُ نَفْسٍ كان بعضَ صِفاتِهِ
 
كَمْ مِن صَديقٍ كان يَأتي بَيْتَهُ

يَلْقَى المَكارِمَ في نُهى أبياتِهِ
 
مُتواضِعٌ لِلَّهِ مَرْفوعُ اللِّقا

مُتَفَقِّةٌ متدارِسٌ آياتِهِ
 
داعٍ إلى التَّعليمِ يَسْقي نَهْلةً

مِنْهُ البنينَ بِهِمَّةٍ وَبَناتِهِ
 
وبِكُلِّ فعْلٍ صالِحٍ مِنْ نَجْلِهِ

مُتَفاخِرٌ وَيَدِلُّ في مَرْضاتِهِ
 
يَرْنو إلى مَعْنى الجمالِ مُسائِلاً

عنْ دَربِهِ؟ عن لونِهِ؟ عن ذاتِهِ
 
ومُسافِر في الأرْضِ يَبْغي رِزْقَهُ

يتكاثَرُ الأصحابُ في سَفَراتِهِ؟
 
والطِّفْلُ يَسْألُ عَنْ مُحِبٍّ حامِلٍ

حَلْوى بِجَيْبٍ أو على أَصْواتِهِ
 
يَبْكيكَ قلبي يا أبي في لَوْعَةٍ

والدَّمْعُ غطى صَمْتُهُ غَصَّاتِهِ
 
وَأقاربٌ باتوا بحَسْرَةِ والِهٍ

فَعَميدُهُمْ لَبَّى قَضاءَ وفاتِهِ
 
قَد أكْرَموهُ وَعَزَّزوهُ بِدَوْرِهِمْ

لِلّه دَرُّهُـمُ وَدَرُّ ثِقاتِهِ
 
والأصْمَعيُّ أتَى لنا بِعَزائِهِ

دُرَرًا مِنَ الأشْعارِ في مَرْثاتِهِ

قَدْ كانَ مِنْ أوْفى الصِّحابِ بِعَهْدِه
 
ولذا اقتضى بصَلاته وصلاتهِ

قصيدة الاصمعي في رثاء أبي نقلاً عن ابنه زهير يوسف قعدان
كان والد البروفيسور فاروق الحاج إبراهيم محمود مواسي (أبو فاروق) يحظى بالسمعة الحسنة بين أهله وبني قريته وكان اجتماعياً معروفًا، كان يكسب رزقه من عرق جبينه من حرفة "الحياكة"، إذ كان محترفاً لهذه الصنعة، يرتزق منها. وكان يرتاده الكثير من الزبائن من باقة وغيرها. وكان أن علم معظم أبنائه وبناته من كسب عيشه بيده، ويشهد الله أنه تفانى في تربية أبنائه، فكان من أوائل من علم بناته في القرية، فحظي أفراد العائلة منه بتربية حسنة يشهد لها الداني والقاصي، فرحم الله الحاج إبراهيم- أبو فاروق، وطيب ثراه، وحين وفاته في 6 آذار 1984 نظم والدي الحاج يوسف صالح قعدان قصيدة رثاه أثبتها هنا ليشهد الجيل الجديد على هذه المحبة والأواصر التي تربط بين أهل الأدب والثقافة:
في رثاء أبي فاروق
شعر الشيخ يوسف صالح قعدان "الأصمعي":

فاروقُ عنوانَ البيان بذاته
تدري الزمانَ بِحالِه وصِفاتِه
جُبْتَ الدُّهورَ قراءةً وكتابة
وعَرَفْتَ بالعقل السليم جِهاتِه
وعرفْتَ أنَّ الدَّهرّ حالُ مصائِبٍ
ومن المُحالِ يدومُ في حالاته
هذي هي الأقدار في طيّاتِها
حمَلَتْ من المقدور في طيّاتِه
بوفاة والدكم وتلكَ مشيئَةٌ
ما شاء ربُّك كان في أوقاتِـه
لبَّى نداء إِلهِه من بعدِ ما
قد حجَّ بيت الله ِقبل مماتـــه
وسعى ولبّى داعياً مُستغفِراً
للهِ حتى بات في عرفاتِــــــه
أنهى مناسِكَهُ بكل عزيمةٍ
مستبشِراً بصِلاتِه وصَلاتِــه
جُعِلتْ منيَّتُه بمسقطِ رأسِه
هي حِكمَةٌ للّه، من آياتِـــــه
حُسْنُ العزاءِ بِه إلى أولادِه
والصَّبْرُ والسُّلوانُ في مَشْكاتِه
واللهُ يرحَمُهُ بجنَّةِ جودِهِ
وينيلُه من فضلِهِ جنّاتِــــــه

الاثنين، 21 يناير 2013

مروان مخول

عربي في مطار بن غوريون -مروان مخول
**
أنا عربي! صحت في باب المطار فاختصرتُ لجنديّةِ الأمنِ الطّريقَ إليّ، ذهبتُ إليها وقلتُ: استجوبيني، ولكن سريعًا، لو سمحتِ، لأنّي لا أريد التّأخّرَ عن موعد الطّائرة.
قالت: من أين أنت؟
من غساسنةِ الجَولان أصلُ فروسيّتي - قلتُ
جارُ مومِسٍ من أريحا؛
تلك الّتي وشَتْ إلى يهوذا بالطّريقِ إلى الضِّفّة الغربيّة
يوم احتلّها فاحتلّها التّاريخُ من بعدهِ
في الصّفحةِ الأولى.
من حَجر الخليل الصُّلبِ أجوبتي
وُلدتُ زمنَ المؤابيّينَ النّازلينَ من قبلكم
أرضَ الزّمانِ الخانعة،
من كَنعانَ أبي
وأمّي فينيقيّةٌ من جنوبِ لبنان في السّابقْ،
ماتت أمُّها، أمّي، قبل شهرين
ولم تودّعْ جثمانَ أمّها، أمّي، قبل شهرين،
بكيتُ بِحضنها كي تؤانسَها الأُلفةُ في البُقَيعَةِ
عند سفحِ المُصيبة والنّصيب،
لبنانُ يا أختُ المستحيلْ، وأنا
أمُّ أمّي الوحيدةُ
في الشِّمال!
***
سألتني: ومن رتَّبَ الحقيبةَ لك؟
قلتُ: أسامة بنُ لادن، ولكن!
رويدكِ، فهذا مُزاحُ الجراحِ المتاحْ،
نكتةٌ يحترفُها الواقعيّونَ مثلي ها هنا
في الكفاحْ،
أناضلُ منذ ستّينَ عامًا في الكلام عن السّلام،
لا أسطو على المستوطنة، أنا،
ولستُ أملِكُ مثلَكُم دبّابةً كالّتي
على متنها، دغدغَ الجنديُّ غزّة،
لم أرمِ قنبلةً من الأباتشي في سِجلّيَ الشخصيّْ
لا لنقصٍ فيّ
بل لأنّي أرى في الأفقِ المدى صدى السأمِ
من ثورةِ السِّلميِّ في غير موضعها
ومن حُسن السّلوك.
***
هل أعطاكَ أحدُهُم شيئًا في الطّريق إلى هنا - سألت،
قلتُ: هو المنفيُّ في النَّيربْ
أعطانيَ الذّكرياتْ
ومِفتاحَ بيتٍ في الحكاياتْ
صدأُ الحديد على المفتاحِ وَتّرَني ولكنّي
كالمَعدِنِ الأصليِّ؛ أُرجِّعُ ذاتي بذاتي، إن أحنّ،
من أنينِ اللاجئينْ
يَبعثُ الشّوقُ جناحهُ عبر الحدودِ
لا حَرسٌ أو ألفُ يمنعُهُ
ولا أنتِ، أكيد.
***
قالت: هل من أداةٍ حادّةٍ في حيازتك؟
قلتُ: عاطفتي
بَشَرتي.. وملامحُ القمحيِّ فيّْ،
وُلدتُ هنا بلا ذنبٍ سوى الحظّ،
متشائلًا قد كنتُ في السّبعينَ
أنا المتفائلُ بأنشودتين عصيّتينِ عليكِ الآن
في سجنِ جِلْبُوَّعْ.
أَصْلي
وفصلي من رواياتِ الزّمانِ الفجِّ
جنازةُ الماضي وعرسٌ
في قاعةِ الأملِ القريب،
بلحٌ من الغَورِ رعرعني
وفسّرني الكلام.
في حيازتي طفلٌ أجّلتُه عن موعد التّوليدِ كي يأتي
إلى صباحٍ لا كهذا الهشِّ يا بنت أوكرانيا.
في حيازتي أنّ المؤذّنَ صادحًا يُطربُني رغم إلحادي
أصيحُ كي تَجفُلَ الأنّاتُ في النّاياتْ
وكي تَصدَحَ الكمنجةُ في الطّبنجةِ من خلودٍ في الوجود.
***
تأخذني الجنديّةُ إلى تفتيشِ حاجاتي
تأمرُني بفتحِ الحقيبة،
أفعلُ ما تشاء!
فينِزُّ من قلب الحقيبةِ قلبي، وأغنيتي
ومعنى المعنى يفُزُّ فصاحةً وفجاجةً منها وفيها كلُّ ما فيّ.
***
تسألني: وما هذا؟
أقولُ: سورةُ الإسراءِ من معراجِ أوردتي وتفسيرُ الجلالين،
ديوانُ أبي الطّيّب المتنبّي وأختي مرام، صورةً وحقيقةً في آن،
شالٌ حريريٌّ يدثّرني ويحميني من برد البُعادِ عن الأقاربْ،
تَبغٌ من عرّابة البطّوفِ دَوَّخَني إلى أن حشّشَ المجهولُ فيّْ
وفيَّ وفيٌّ وفيّْ.. زعترٌ بلديّْ
جلّنارُ النّارْ، جليليٌّ بَهيّْ
عقيقي، كافوري، بَخورُي وأنّيَ حَيّْ.
مَرجانُ حيفا المشعُّ المستديمُ المستنيرُ
المستحيلُ المستريحُ في جيبِ عودتنا بلا سببٍ
سوى أنّا عَبَدنا حُسنَ نِيّتنا وأوثقنا
النّكبةَ في الماضي وفيّ!
***
تُسَلِّمُني الجنديّةُ إلى الشّرطيِّ الذي
تحسّسني في فجأةٍ ثمّ صاح:
ما هذا؟!
عضويَ الوطنيّْ - أقولُ
ونسلي.. حمى أهلي وبيضتا حمامٍ
تفقّسانِ رجولةً وأنوثةً منّي ولي،
يبحثُ بي
عن كلّ شيء ممكنٍ وخطيرْ
لكنّهُ أعمى هذا الغريبَ الّذي
ينسى قنابلَ بي أشدَّ مضاضةً وأهمّ:
عنفواني، جُموحي، نزقَ النّسور في لهفي وفي جسدي
شامَتي وشهامتي، هذا أنا
كاملًا متكاملًا لن يراني فيما يرى
هذا الغبيّ.
***
الآن، وبعد ساعتينِ من معركة المعنويّاتْ
ألعَقُ جرحي لخمسِ دقائقَ كافياتْ
ثمّ أصعدُ الطّائرة الّتي ارتفعت. لا للذّهاب
ولا للإياب،
بل لأرى جنديّةَ الأمنِ تحتي
الشرطيَّ في نشيدِ حذائيَ الوطنيِّ تحتي
وتحتي أكذوبة التّاريخِ المعلّبِ مِثلَ
بن غوريون الّذي صارَ كما كانَ من قبلُ
تحتي وتحتي وتحتي.
شاعر من فلسطين
 

1.4.2010/visitors

free counters